فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن ابن عباس: إن كان سمى لها صداقًا، فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمى لها صداقًا، فأمتعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل. انتهى.
وعليه، فالآية في المفوضية التي لم يُسم لها. وقيل: الآية عامة. وعليه، فقيل الأمر للوجوب، وأنه يجب مع نصف المهر المتعة أيضًا. ومنهم من قال للاستحباب، فيستحب أن يمتعها مع الصداق بشيء.
لطيفة:
قال الرازي: وجه تعلق الآية بما قبلها، هو أن الله تعالى في هذه السورة، ذكر مكارم الأخلاق، وأدّب نبيه على ما ذكرناه. لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيه المرسل، فكلما ذكر للنبي مكرمةً، وعلمه أدبًا، ذكر للمؤمنين ما يناسبه. فكما بدأ الله في تأديب النبي صلّى الله عليه وسلم بذكر ما يتعلق بجانب الله، بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1]، وثنى بما يتعلق بجانب العامة بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الأحزاب: 45]، كذلك بدأ في إرشاد المؤمنين بما يتعلق بجانب الله، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41]، ثم ثنى بما يتعلق بجانب من تحت أيديهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ثم، كما ثلث في تأديب النبي بجانب الأمة، ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بجانب نبيهم، فقال بعد هذا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53]، وبقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ}. انتهى.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي: مهورهن فإنها أجور الأبضاع. وإيتاؤها، إما إعطاؤها معجلة، أو تسميتها في العقد. وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم، وما لا يعرف بينهم غيره.
قال ابن كثير: كان النبي صلّى الله عليه وسلم لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا، وهو نصف أوقية فالجميع خمسمائة درهم، إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهَرها عنه النجاشي رحمه الله تعالى أربعمائة دينار، وإلا صفية بنت حُيي فإنه اصطفاها من سبي خيبر، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها، وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس وتزوجها، رضي الله عنهن. انتهى.
وتقييد الإحلال له عليه الصلاة والسلام بإعطاء المهور، ليس لتوقف الحل عليه، ضرورةَ أنه يصح العقد بلا تسمية. ويجب مهر المثل أو المتعة على تقديري الدخول وعدمه. بل لإيثار الأفضل والأولى له عليه الصلاة السلام، كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبية، في قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ} فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها.
قال ابن كثير: أي: وأباح لك التسرّي مما أخذت من المغانم، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما، وملك ريحانة بنت شمعون النضرية، ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم عليه السلام، وكانتا من السراري، رضي الله عنهما: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} أي: من مكة، إلى المدينة، والتقييد لبيان الأفضل كما تقدم، ولهم في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة، عدة أوجه: فيها اللطيف والضعيف، وعندي أن الإفراد والجمع تابع لمقتضى السبك، والنظم ورقة التعبير، ورشاقة التأدية؛ كما يدريه من يذوق طعم بلاغة القول، ويشرب من عين فصاحته، فالإفراد فيهما هنا أرق وأعذب من الجمع، كما أن في آية: {بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ} [النور: 61]، أمتن وأبلغ من الإفراد، ولكل مقام مقال، ولكل مجال حال: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} أي: يتزوجها ويرغب في قبول هبة نفسها بدون مهر، وقد سمى من الواهبات ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأم شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن.
وفي البخاري عن عائشة قالت: كنت أغار في اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلّى الله عليه وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الآية- قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
وعن ابن عباس، أنه لم يكن عنده صلّى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له؛ أي: أنه لم يقبل ذلك وإن كان مباحًا له؛ لأنه مردود إلى إرادته. والله أعلم.
قال ابن القيم: وأما من خطبها صلّى الله عليه وسلم ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس. وقال بعضهم: هن ثلاثون امرأة. وأهل العلم بالسيرة وأحواله صلّى الله عليه وسلم، لا يعرفون هذا بل ينكرونه.
قال أبو السعود: وإيراده عليه الصلاة والسلام في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات، للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه السلام حسب اختصاصها به كما ينطبق به قوله تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ} أي: خلص لك إحلالها خالصة أي: خلوصًا، فهي مصدر مؤكد، أو صفته أي: هبة خالصة: {مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: فإنهم لا تحل لهم الموهوبة إلا بوليّ ومهر، خوف أن يستسري النساء وينتشر الفحش بدعوى ذلك. قال قتادة: ليس لامرأة تهب نفسها لرجل، بغير وليّ ولا مهر إلا للنبي صلّى الله عليه وسلم: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أي: على المؤمنين: {فِي أَزْوَاجِهِمْ} أي: في حلّها من الوليّ والشهود والمسمى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي: في حلّها من توسيع الأمر فيها.
وقال السيوطي في الإكليل: فسر بالاستبراء، وليس له في القرآن ذكر إلا ها هنا.: {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} أي: ضيق. واللام متعلقة ب: {خالصة} أو بفعل يفهم مما قبله؛ أي: قد علمنا ما فرضنا عليهم، وأسقطناه عنك لرفع الحرج عنك والضيق، فيما اقتضته الحكمة والعناية بك: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} أي: يغفر ما يعسر التحرز عنه، ويرحم فيما يوسع في مواقع الحرج. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} مناسبة هذه الآية لما قبلها، هي أن الآيات السابقة ذكرت حالا من أحوال الطلاق والزواج، وهو طلاق امرأة الابن المتبنّى، ثم زواجها من أبيه المتبنّى له.. فناسب أن يذكر حكم المرأة المطلقة، من حيث العدة، والنفق.
فالمرأة المعقود عليها عقد نكاح، ولم يدخل بها الزوج، ولم يمسّها، ولم يختل بها خلوة شرعية- ليس عليها عدة، لمن طلقها، وإنما تحل لمن يريد الزواج منها بمجرد طلاقها.. إذ كانت غير مشغولة بما للرجل عليها من حق، وهو استبراء الرح.
والمراد بالمسّ هنا المباشرة، ومعاشرة الرجل للمرأة معاشرة الزوجي.
وفي قال تعالى: {إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ} إشارة إلى أن من شأن المؤمن أن يقصر نفسه على زواج المؤمنة، وإن كان قد أبيح له التزوج بالكتابيات، فإن الزواج من المؤمنات أفضل وأول.
وفي قال تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحًا جَمِيلًا} إشارة إلى ما توجبه الشريعة السمحاء، من الرفق، والمياسرة، والإبقاء على الصلات الإنسانية، عند انفصام الحياة الزوجية.. والمراد بالمتعة، هو ما يعطيه الرجل مطلقته من مال أو متاع، جبرا لخاطرها، وتأمينا لحياتها المستقبلة، التي كان هذا الطلاق سببا في اضطرابه.
والسراح الجميل، هو الانفصال بالمودة والإحسان، من غير كيد ومضارّة.. كما يقول سبحانه: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ} قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} مناسبة لهذه الآية للآيات التي قبلها، هي أن الآيات السابقة قد جاءت بأمر انتقض به بناء من أبنية الجاهلية التي قامت على الضلال، وهو تبنّيهم أبناء غيرهم، ثم تجاوزوا هذا إلى تحريم مطلقات هؤلاء الأبناء الأدعياء، عليه.
تمكينا لهذه البنوّة المدعاة، ومعاملتها معاملة بنوّة النسب، سواء بسواء.
وقد كان من تدبير اللّه سبحانه وتعالى أن يكون للنبىّ ابن متبنّى، وأن يكون هذا الابن متزوجا، ثم يجىء حكم اللّه أمرا بإبطال هذا التبني، وبإلزام النبىّ أن يتزوج مطلقة متبناه، بعد أن طلقها وانقضت عدتها.. وكان ذلك مدعاة للكافرين والمنافقين أن يشنعوا على النبىّ، وأن يكثروا من الأقاويل الباطلة، والأحاديث المفترا.
وقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}.
فهذا الإخبار بحلّ الأزواج، إنما هو تأكيد لحلّهن، ووصف كاشف للحال التي هن عليها، ومنهن زينب مطلقة متبنىّ النبىّ.. وفي هذا ردّ على الكافرين والمنافقين، الذين جعلوا زواج النبىّ من مطلقة متبناه مادة للغمز والاتهام.. وكان الردّ إفحاما للكافرين والمنافقين، وكبتا لهم، إذ قد جاء قول اللّه تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} داعيا النبىّ إلى ألا يشغل نفسه بمقولات المبطلين، وأن يتمتع بما أحلّ له من طيبات، فهو من قبيل قال تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [4: النساء].
ثم إنه لكى يزداد أهل الضلال والنفاق غمّا إلى غمّ، ذكر اللّه سبحانه وتعالى في هذا المقام، ما اختص به نبيه الكريم، مما لم يكن لغيره من المسلمين، من سعة في الحياة الزوجي.
فأولا: كان في يد النبىّ من النساء اللاتي تزوجهن بمهر، عند نزول هذه الآية تسع نسوة.. ونصاب المسلم لا يتجاوز أربعة.
وثانيا: جاء في قال تعالى: {وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} من بيان لصنف آخر من النساء، أبيح للنبىّ التمتع بهن، وهن من يملكه النبىّ منهن من الفيء والغنائم، وهذ حكم عام للمسلمين جميعا.. على أن للنبىّ من الغنائم ما يصطفيه من السّبى، قبل قسمة الفيء.. وهذا من خصوصيات النبىّ هنا.
وثالثا: جاء بعد ذلك قال تعالى: {وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ} مشيرا إلى صنف ثالث أبيح للنبىّ- صلوات اللّه وسلامه عليه- التزوج به، وهن بنات العم وبنات العمات. وبنات الخال وبنات الخالات.. اللاتي هاجرن، مع المهاجرين فرارا بدينهن، وإيثارا للّه ورسوله.. فهؤلاء المهاجرات هن ممن أبيح للنبى التزوج بهن، إلى أزواجه التسع اللاتي كن مع.
ولابد أن يكون الأمر هنا منظورا فيه إلى بعض المهاجرات من أقارب النبىّ، ممن تستدعى حالهن البر والمواساة، في تلك الغرب.
ورابعا: جاء بعد ذلك قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} مبيحا للنبىّ التزوج من صنف رابع من النساء، على أسلوب لا يحلّ لغيره من المسلمين، وهو أن تهب المرأة- غير المتزوجة- نفسها للنب.
وفي قال تعالى: {مُؤْمِنَةً} إشارة إلى أن هذه الهبة إنما أرادت بها المرأة المؤمنة التقرب إلى اللّه، والاستظلال بظل رسول اللّه، والظفر بالقرب منه، والفوز بلقب أم المؤمنين.. أما غير المؤمنة من الكتابيات فإنها لا تهب نفسها للنبىّ إلا طلبا لمرضاة نفسها، بأن تكون زوجا لهذا الإنسان العظيم، الذي له هذا السلطان لروحى الذي لا حدود له على المسلمين، ولو أنها كانت تحبّ النبىّ حقّا لآمنت به، ولدخلت في دين اللّ.
وفي قال تعالى: {إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها} تعليق للزواج على رضا النبىّ، وقبول الهبة ممن وهبت نفسها ل.
وقال تعالى: {خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي فاتخذها زوجا لك، على أن يكون ذلك حكما خالصا لك من دون المؤمنين، لا يشاركك فيه أح.
وفي العدول عن الخطاب إلى الغيبة، وفي إظهار النبىّ، بدلا من الضمير في قال تعالى: {إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ} تعظيم لشأن النبىّ، بذكر اسمه، ثم بتكرار هذا الذكر.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن في ذكر النبىّ بصفته وهى النبوّة إشارة إلى أن هذا الحكم إنما هو خاص بمن كان في هذا المقام، مقام النبوّة، لا أي مقام آخر غير هذا المقام.
فهذه الأصناف الأربعة من النساء، قد أحلّ اللّه للنبىّ ضمّهن إلى بيت الزوجية واتخاذهن شريكات للحياة مع.
وواضح أن هذه التوسعة على النبىّ في الحياة الزوجية، لم تكن لمجرد قضاء الشهوة، كما يقول بذلك أهل الضلالات والكيد للإسلام.. بل إن هذه الخصوصيات التي للنبىّ، إنما كانت في مقصدها الأول علاجا لحالات نفسية واجتماعية، واقتصادية، لا تجد لها الدواء الناجع إلا في ظلال النبىّ.. كما رأينا ذلك في زواجه صلوات اللّه وسلامه عليه من زينب مطلقة متبناه، والذي كان من حكمته رفع الحرج عن المسلمين في التزوج من نساء أدعيائهم.. وكما في زواجه- صلوات اللّه وسلامه عليه- من صفية، بنت حيىّ بن أخطب، وكان أبوها سيدا من سادات اليهود، ورأسا من رءوسهم، فلما وقعت في السّبى، استنقذها النبىّ الكريم، وحفظ كرامتها بزواجه منها.. وهكذا نجد مع كل زواج تزوجه النبىّ، حكمة قائمة وراءه، أسمى وأعظم من طلب المتعة وقضاء الشهو.
وسنعرض لهذا في مبحث خاص.. إن شاء اللّ.
وفي قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ} إشارة إلى أن تلك الخصوصيات هي للنبى، وأنه ليس للمسلمين أن يتأسوا بالنبي فيها، فقد عرفوا ما فرض اللّه عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم، فليس لهم أن يتجاوزوا هذا الذي بيّنه اللّه له.
وقال تعالى: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} تعليل لهذه الأحكام التي بيّنها اللّه للنبىّ في شأن ما أحلّ له من نساء.. فهذا البيان هو من عند اللّه، وتلك الأحكام هي أحكام اللّه، فليأخذ النبىّ بها، غير متحرّج، ولا ناظر إلى قولة كافر أو منافق.
وقال تعالى: {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. إشارة إلى ما للّه سبحانه وتعالى من مغفرة ورحمة، تسع أولئك الذين تجرى ألسنتهم بقولة سوء فيما اختص اللّه نبيه الكريم به، ثم تابوا من قريب، ورجعوا إلى اللّه، واستغفروا لذنبهم {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}.
جاءت هذه الآية تشريعًا لحكم المطلقات قبل البناء بهن أن لا تلزمهن عِدَّة بمناسبة حدوث طلاق زيد بن حارثة زوجه زينب بنت جحش لتكون الآية مخصصة لآيات العدة من سورة البقرة، فإن الأحزاب نزلت بعد البقرة، وليخصص بها أيضًا آية العِدّة في سورة الطلاق النازلة بعدها لئلاَّ يظنّ ظانّ أن العدة من آثار العقد على المرأة سواء دخل بها الزوج أم لم يدخل.
قال ابن العربي: وأجمع علماء الأمة على أن لا عدّة على المرأة إذا لم يدخل بها زوجها لهذه الآية.
والنكاح: هو العقد بين الرجل والمرأة لتكون زوجًا بواسطة وليها.
وهو حقيقة في العقد لأن أصل النكاح حقيقة هو الضمّ والإِلصاق فشبه عقد الزواج بالالتصاق والضم بما فيه من اعتبار انضمام الرجل والمرأة فصارا كشيئين متّصلَيْن.
وهذا كما سمي كلاهما زوجًا، ولا يعرف في كلام العرب إطلاق النكاح على غير معنى العقد دون معنى الوطء ولذلك يقولون: نكحت المرأة فُلانًا، أي تزوجته، كما يقولون: نكح فلان امرأة.